فصل: تفسير الآيات (102- 104):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (102- 104):

{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)}
قوله عز وجل: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئَذٍ زُرْقاً} فيه ستة أقاويل:
أحدها: عُمياً، قاله الفراء.
الثاني: عطاشاً قد أزرقت عيونهم من شدة العطش، قاله الأزهري.
الثالث: تشويه خَلْقِهم بزرقة عيونهم وسواد وجوههم.
الرابع: أنه الطمع الكاذب إذ تعقبته الخيبة، وهو نوع من العذاب.
الخامس: أن المراد بالزرقة شخوص البصر من شدة الخوف، قال الشاعر:
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر ** كما كل ضبي مِن اللؤم أزرق

قوله عز وجل: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ} أي يتسارُّون بينهم، من قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] أي لا تُسرّ بها.
{إن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً} العشر على طريق التقليل دون التحديد وفيه وجهان:
أحدهما: إن لبثتم في الدنيا إلا عشراً، لما شاهدوا من سرعة القيامة، قاله الحسن.
الثاني: إن لبثتم في قبوركم إلاّ عشراً لما ساواه من سرعة الجزاء.
قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: نحن أعلم بما يقولونه مما يتخافتون به بينهم.
الثاني: نحن أعلم بما يجري بينهم من القول في مدد ما لبثوا.
{إذ يقول أمثلهم طريقةً} فيه وجهان:
أحدهما: أوفرهم عقلاً.
الثاني: أكبرهم سداداً.
{إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً} لأنه كان عنده أقصر زماناً وأقل لبثاً، ثم فيه وجهان:
أحدهما: لبثهم في الدنيا.
الثاني: لبثهم في القبور.

.تفسير الآيات (105- 108):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)}
قوله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} فيه قولان:
أحدهما: أنه يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذري الطعام.
الثاني: تصير كالهباء.
{فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} في القاع ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الموضع المستوي الذي لا نبات فيه، قاله ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد.
الثاني: الأرض الملساء.
الثالث: مستنقع الماء، قاله الفراء.
وفي الصفصف وجهان: أحدهما: أنه ما لا نبات فيه، قاله الكلبي.
الثاني: أنه المكان المستوي، كأنه قال على صف واحد في استوائه، قاله مجاهد.
{لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلآَ أَمْتاً} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: عوجاً يعني وادياً، ولا أمتاً يعني ربابية، قاله ابن عباس.
الثاني: عوجاً يعني صدعاً، ولا أمتاً يعني أكمة، قاله الحسن.
الثالث: عوجاً يعني ميلاً. ولا أمتاً يعني أثراً، وهو مروي عن ابن عباس.
الرابع: الأمت الجذب والانثناء، ومنه قول الشاعر:
ما في انطلاق سيره من أمت ** قاله قتادة.

الخامس: الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل، ويدق في مكان، حكاه الصولي، فيكون الأمت من الصعود والارتفاع.
قوله تعالى: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمنِ} قال ابن عباس: أي خضعت بالسكون، قال الشاعر:
لما آتى خبر الزبير تصدعت ** سور المدينة والجبال الخشع

{إلاَّ هَمْساً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الصوت الخفي، قاله مجاهد.
الثاني: تحريك الشفة واللسان، وقرأ أُبيّ: فلا ينطقون إلا همساً.
الثالث: نقل الأقدام، قال ابن زيد، قال الراجز:
وهن يمشين بنا هَمِيسا ** يعني أصوات أخفاف الإِبل في سيرها.

.تفسير الآيات (109- 112):

{يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)}
قوله عز وجل: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} فيه خسمة أوجه:
أحدها: أي ذلت، قاله ابن عباس.
الثاني: خشعت، قاله مجاهد، والفرق بين الذل والخشوع- وإن تقارب معناهما- هو أنّ الذل أن يكون ذليل النفس، والخشوع: أن يتذلل لذي طاعة. قال أمية بن الصلت:
وعنا له وجهي وخلقي كله ** في الساجدين لوجهه مشكورا

الثالث: عملت، قاله الكلبي.
الرابع: استسلمت، قاله عطية العوفي.
الخامس: أنه وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود، قاله طلق بن حبيب.
{الْقَيُّومِ} فيها ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه القائم على كل نفس بما كسبت، قاله الحسن.
الثاني: القائم بتدبير الخلق.
الثالث: الدائم الذي لا يزول ولا يبيد.
{وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} يعني شركاً.
قوله تعالى: {فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً} فيه وجهان:
أحدهما: فلا يخاف الظلم بالزيادة في سيئاته، ولا هضماً بالنقصان من حسناته، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.
الثاني: لا يخاف ظلماً بأن لا يجزى بعمله، ولا هضماً بالانتقاص من حقه، قاله ابن زيد، والفرق بين الظلم والهضم أن الظلم المنع من الحق كله، [والهضم] المنع من بعضه، والهضم ظلم وإن افترقا من وجه، قال المتوكل الليثي:
إن الأذلة واللئام لمعشر ** مولاهم المتهضم المظلوم

.تفسير الآيات (113- 114):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}
قوله تعالى: {أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: حذراً، قاله قتادة.
الثاني: شرفاً لإِيمانهم، قاله الضحاك.
الثالث: ذِكراً يعتبرون به.
قوله تعالى: {وَلاَ تَعْجَل بِالْقُرءَانِ} الآية. فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: لا تسأل إنزاله قبل أن يقضى، أي يأتيك وحيه.
الثاني: لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله، قاله عطية.
الثالث: لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من إبلاغه، لأنه كان يعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من إبلاغه خوف نسيانه، قاله الكلبي.
{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} يحتمل أربعة أوجه:
أحدها: زدني أدباً في دينك، لأن ما يحتاج إليه من علم دينه لنفسه أو لأمته لا يجوز أن يؤخره الله عنده حتى يلتمسه منه.
الثاني: زدني صبراً على طاعتك وجهاد أعدائك، لأن الصبر يسهل بوجود العلم.
الثالث: زدني علماً بقصص أنبيائك ومنازل أوليائك.
الرابع: زدني علماً بحال أمتي وما تكون عليه من بعدي.
ووجدت للكلبي جواباً.
الخامس: معناه: {وَقُل رَّبِّ زَدِنِي عِلْماً} لأنه كلما ازداد من نزول القرآن عليه ازداد علماً به.

.تفسير الآيات (115- 122):

{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنآ إِلَى ءَادَمَ} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني فترك أمر ربه، قاله مجاهد.
الثاني: أنه نسي من النسيان والسهو، قال ابن عباس: إنما أخذ الإِنسان من أنه عهد إليه فنسي.
{وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: صبراً، قاله قتادة.
الثاني: حفظاً قاله عطية.
الثالث: ثباتاً. قال ابن أمامة: لو قرنت أعمال بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه على حلمهم، وقد قال الله: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}.
الرابع: عزماً في العودة إلى الذنب ثانياً.
قوله عز وجل: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} يعني أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد. ولم يقل: فتشقيا لأمرين:
أحدهما: لأنه المخاطب دونها.
الثاني: لأنه الكادّ والكاسب لها، فكان بالشقاء أخص.

.تفسير الآيات (123- 126):

{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}
قوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} وعمل بما فيه {فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى} لا يضل في الدنيا ولا يشقى.
قال ابن عباس: ضمن الله لمن يقرأ القرآن ويعمل بما فيه ألاّ يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: كسباً حراماً، قاله عكرمة.
الثاني: أن يكون عيشه منغَّصاً بأن ينفق من لا يوقن بالخلف، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه عذاب القبر، قاله ابو سعيد الخدري وابن مسعود وقد رفعه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الرابع: أنه الطعام الضريع والزقوم في جهنم، قاله الحسن، وقتادة، وابن زيد. والضنك في كلامهم الضيق قال، عنترة:
إن المنية لو تمثل مثلت ** مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل

ويحتمل خامساً: أن يكسب دون كفايته.
{وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أعمى في حال، وبصير في حال.
الثاني: أعمى عن الحجة، قاله مجاهد.
الثالث: أعمى عن وجهات الخير لا يهتدي لشيء منها.